• ٢٣ تموز/يوليو ٢٠٢٤ | ١٦ محرم ١٤٤٦ هـ
البلاغ

المرجعية الدينية بين العلوم العقائدية والوعي السياسي

محمود الربيعي

المرجعية الدينية بين العلوم العقائدية والوعي السياسي
يحتاج  الفكر عادة الى وعي عقائدي يصحبه وعي سياسي لأجل تكامل الشخصية.  وفي حالة غياب الوعي السياسي يبقى العلم محفوظاَ في العقول كما هو محفوظ في الكتب أو على الرفوف. فأيهما أفضل؟ حياة الفكر في نشاطه وبشروطه أم على عادة الفكر المسجون المقيد ؟!
لقد تفاعلت المرجعية الدينية وعبر قرون عديدة في طريقها العلمي وأخذت على عاتقها نشر المعارف الدينية في الوقت الذي إتخذت فيه التقية عنواناً لها في الجانب السياسي والحركي الثوري ولم تلجأ للخوض في مايخص الحكم والسلطة فكانت في أمان وفرت فيه على نفسها فرصة الإنقضاض عليها والقضاء على وجودها.
وفي مثل تلك الظروف عملت القيادات الثورية للأمة من خارج المرجعية في جانبها السياسي والحركي لالقيام بالحركات الثورية العلنية والسرية في ظروف مختلفة وفي أوقات المحنة على مدى عدة قرون دون أن تعرض المرجعية الى المخاطر التي قد تلجأ اليها السلطة الظالمة.
وأما في العصر الحديث فقد إتسمت بعض المسارات التي تحركت فيها المرجعية في مواضع حساسة فيها خدمة للمجتمع من أجل التغييركما حدث في:
ثورة التنباك أيام مرجعية آية الله العظمى السيد محمد حسن الشيرازي الكبير، وفي حركة إسقاط حكم الشاه على يد المرجع الديني آية الله العظمى السيد روح الله الموسوي الخميني، حيث نجح كل منهما من إسقاط هيبة الأنظمة الجائرة و الفاسدة.
وفي العراق تحركت مرجعية آية الله السيد الحكيم ومرجعية  آل الصدر متمثلة بكل من المرجعين السيدين آية الله محمد باقر الصدر  ومحمد بن محمد صادق الصدر، وكذلك اسرة آل الحكيم وعلى رأسها كل من السيدين آية الله مهدي الحكيم وآية الله السيد محمد باقر الحكيم في مكافحة النظام البعثي في مواجهة الحملة الظالمة التي طالت الاكراد والشيعة أبان الحكم الدكتاتوري البغيض.
وأخيراً نشير الى مواقف المرجعية الرشيدة في النجف الأشرف التي إتسمت بالحكمة في ظروف بالغة التعقيد لم يشهدها العراق من قبل دون أن تخوض فيما لايناسبها من النزول الى المستوى الذي يقلل من هيبتها وذلك لطول باعها وقراءتها الصحيحة للأحداث والتاريخ.
إن خوض شخصية من داخل المرجعية وخروجاً على الإجماع المرجعي يعد انفصالاً عن وحدة الكلمة الموضوعية وتعبيراً عن نقص الوعي السياسي وعدم القراءة الصحيحة للإوضاع وإصدار أحكام صريحة أو تلميحية في غير محلها..  فالوعي العقائدي لابد أن يصحبه وعي سياسي مناسب قادر على إستيعاب الظروف المعقدة التي تحكمها أوقات المحنة والإبتعاد عن المؤثرات الجانبية المؤثرة في عقلية المرجع خصوصاً عندما يُسْتَغَل الفراغ السياسي لعقلية المرجع الذي لايمتلك قراءة موضوعية لحظية صحيحة للاحداث والشخصيات وفي محاولات منفردة تتصف بالإضطراب ولاتتسم بالنظر الصائب.
إننا نهيب بأي مرجع أن لاينزلق في متاهات السياسة والسياسيين لئلا يتعرض الى الخدع السياسية فيكون من النادمين كما حدث لرفاعة بن شداد، إذ إن أية قراءة سطحية تأتي  على ألسنة بعض الساسة الطامعين في الحكم والسلطة إنما تؤدي الى إرباك العملية السياسية..  فقراءة التاريخ الصحيحة ترشدنا في مراجعتنا الى جوهر الموضوع الذي نتحدث حوله من خلال موقف رفاعة الضعيف في المواجهة المضادة للمختار بن أبي عبيدة الثقفي التي قادها ضد بنو أمية وذلك لسوء تقدير من رفاعة!
ولأجل أن لاتتكرر مواقف رفاعة وغيره لابد لنا أن نميز بين الغث والسمين وأن نقرأ الاحداث والشخصيات كما ينبغي، وأن لانصدر الأحكام فنساوي بين الإمام علي عليه السلام وبين النكرة معاوية، أو بين الإمام الحسين عليه السلام وبين النكرة يزيد، أو بين زياد بن ابيه والشمر وعمر بن سعد النكرات وبين المختار.
إن الوعي السياسي يجب أن يصحب الوعي العقائدي وأن المرجع لكي يكون قائداً عليه أن يجسد دخوله الميدان السياسي كما دخلته العمالقة أمثال السيد الخميني والسيد محمد باقر الصدر والسيد محمد باقر الحكيم لنميز بين صدام، وبين المؤمن الصادق الحليم كما كنا نميز بين عبد الله بن الزبير واخاه مصعب الضالَّيْن من جهة، وبين المختار من جهة اخرى.
أقول هذا راجياً أن لانفسح المجال للاعداء والمتربصين أن ينالوا من جبهة المجاهدين المرابطون في الثغور وحتى قيام دولة العدل الكامل، دولة إمامنا المهدي المنتظر عليه السلام عجل الله تعالى فرجه الشريف.
كل إحترامنا وتقديرينا للمراجع الدينية كافة خصوصاً المراجع الأربعة المشهورة ولمواقفها الحكيمة خصوصاً تلك التي تتسم بالحيادية والوقوف على مسافة واحدة من الجميع.
إننا نتمنى أن تشخص المرجعية جبهة الأعداء من التكفيرين والمجرمين الذين لايتورعون عن ضرب الوحدة الوطنية من الذين يتربصون بهم وبنا الدوائر، ولكي لانكون الأضعف والأقل حظاً بعد أن نالوا منا طيلة قرون ولايزالون لاينفكّون عن ضرب الوحدة فيما بيننا.
إن الوعي السياسي يجب أن يكون من مميزات أبناء الأمة وعلى أبناء الامة نكران ذاتهم والذوبان في وحدة المصير والعمل على تحقيق الأهداف المشتركة دون النزول الى الدرك الأسفل من الكيد والتضليل وإشاعة الأخبار الكاذبة التي لاتنفع وينتفع منها الأعداء.
إننا نشكر الله سبحانه وتعالى أن يكون بيننا مراجع عظام وعلى رأسهم آية الله العظمى السيد السيستاني، إذ لاتزال المرجعية الرشيدة تنأى بنفسها عن الخوض فيما ليس فيه مصلحة الأمة خصوصاً في أوقات المحنة ومنها أوقات الإنتخابات الحرة التي يجب أن لانؤثر فيها على أصوات الناخبين وخيارات المواطنين الحرة والله الموفق.

ارسال التعليق

Top